كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وروي عن عكرمة أن القول اللين لا إله إلا الله ولينه خفته على اللسان، وهذا أبعد الأقوال وأقربها الأول، وكان الفضل بن عيسى الرقاشي إذا تلا هذه الآية قال: يا من يتحبب إلى من يعاديه فكيف بمن يتولاه ويناديه؛ وقرأت عند يحيى بن معاذ فبكى وقال: إلهي هذا رفقك بمن يقول أنا الإله فكيف رفقك بمن يقول أنت الله؟ وفيها دليل على استحباب إلانة القول للظالم عند وعظه {لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ} ويتأمل فيبدل النصفة من نفسه والإذعان للحق فيدعوه ذلك إلى الإيمان {أَوْ يخشى} أن يكون الأمر كما تصفان فيجره إنكاره إلى الهلكة وذلك يدعوه إلى الإيمان أيضًا إلا أن الأول للراسخين ولذا قدم، وقيل: يتذكر حاله حين احتبس النيل فسار إلى شاطئه وأبعد وخر لله تعالى ساجدًا راغبًا أن لا يخجله ثم ركب فأخذ النيل يتبع حافر فرسه فيستدل بذلك على عظيم حلم الله تعالى وكرمه أو يخشى ويحذر من بطش الله تعالى وعذابه سبحانه، والمعول على ما تقدم.
ولعل للترجي وهو راجع للمخاطبين، والجملة في محل النصب حال من ضميرهما في {قَوْلًا} أي فقولا له قولًا لينًا راجيين أن يتذكر أو يخشى، وكلمة أو لمنع الخلو.
وحاصل الكلام باشرا الأمر مباشرة من يرجو ويطمع أن يثمر عمله ولا يخيب سعيه فهو يجتهد بطوعه ويحتشد بأقصى وسعه، وقيل: حال من ضميرهما في {اذهبا} [طه: 43] والأول أولى، وقيل: لعل هنا للاستفهام أي هل يتذكر أو يخشى.
وأخرج ذلك ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، قيل: وهو القول اللين، وأخرج ذلك مخرج قولك: قل لزيد هل يقوم.
وقال الفراء: هي هنا بمعنى كي التعليلية وهي أحد معانيها كما ذهب إليه جماعة منهم الأخفش والكسائي بل حكى البغوي عن الواقدي أن جميع ما في القرآن من لعل فإنها للتعليل إلا قوله تعالى: {لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} فإنها للتشبيه كما في صحيح البخاري.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق السدي عن أبي مالك قال: لعل في القرآن بمعنى كي غير آية في الشعراء {لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} [الشعراء: 129] فإن المعنى كأنكم تخلدون، وأخرج عن قتادة أنه قال: قرئ كذلك، ولا يخفى أن كونها للتشبيه غريب لم يذكره النحاة، وحملها على الاستفهام هنا بعيد، ولعل التعليل أسبق إلى كثير من الأذهان من الترجي لكن الصحيح كما في البحر أنها للترجي وهو المشهور من معانيها، وقيل: إن الترجي مجاز عن مطلق الطلب وهو راجع إليه عز وجل، والذي لا يصح منه سبحانه هو الترجي حقيقة، والمحققون على الأول، والفائدة في إرسالهما عليهما السلام إليه مع العلم بأنه لا يؤمن إلزام الحجة وقطع المعذرة.
وزعم الإمام أنه لا يعلم سر الإرسال إليه مع علمه تعالى بامتناع حصول الإيمان منه إلا الله عز وجل ولا سبيل في أمثال هذا المقام لغير التسليم وترك الاعتراض.
واستدل بعض المتبعين لمن قال بنجاة فرعون بهذه الآية فقال: إن لعل كذا من الله تعالى واجب الوقوع فتدل الآية على أن أحد الأمرين التذكر والخشية واقع وهو مدار النجاة، وقد تقدم لك ما يعلم منه فساد هذا الاستدلال، ولا حاجة بنا إلى ما قيل من أنه تذكر وخشي لكن حيث لم ينفعه ذلك وهو حين الغرق بل لا يصح حمل التذكر والخشية هنا على ما يشمل التذكر والخشية اللذين زعم القائل حصولهما لفرعون فتذكر.
{قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى (45)}.
{قَالاَ} استئناف بياني كأنه قيل: فماذا قالا حين أمرا بما أمرا؟ فقيل: {قَالاَ}.. إلخ، وأسند القول إليهما مع أن القائل هو موسى عليه السلام على القول بغيبة هارون عليه السلام للتغليب كما مر.
ويجوز أن يكون هارون عليه السلام قد قال ذلك بعد اجتماعه مع موسى عليه السلام فحكى قوله مع قول موسى عند نزول الآية كما في قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الرسل كُلُواْ مِنَ الطيبات} [المؤمنون: 51] فإن هذا الخطاب قد حكى لنا بصيغة الجمع مع أن كلًا من المخاطبين لم يخاطب إلا بطريق الانفراد، وجوز كونهما مجتمعين عند الطور وقالا جميعًا {رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا} أي أن يعجل علينا بالعقوبة ولا يصبر إلى إتمام الدعوة وإظهار المعجزة من فرط إذا تقدم، ومنه الفارط المتقدم للمورد والمنزل، وفرس فارط يسبق الخيل، وفاعل {يَفْرُطَ} على هذا فرعون، وقال أبو البقاء: يجوز أن يكون التقدير أن يفرط علينا منه قول فاضمر القول كما تقول فرط مني قول وهو خلاف الظاهر.
وقرأ يحيى وأبو نوفل وابن محيصن في رواية {يَفْرُطَ} بضم الياء وفتح الراء من أفرطته إذا حملته على العجلة أي نخاف أن يحمله حامل من الاستكبار أو الخوف على الملك أو غيرهما على المعاجلة بالعقاب.
وقرأت فرقة والزعفراني عن ابن محيصن {يَفْرُطَ} بضم الياء وكسر الراء من الإفراط في الأذية.
واستشكل هذا القول مع قوله تعالى: {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سلطانا فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا} [القصص: 35] فإنه مذكور قبل قولهما هذا بدلالة {سَنَشُدُّ} وقد دل على أنهما محفوظان من عقوبته وأذاه فكيف يخافان من ذلك.
وأجيب: بأنه لا يتعين أن يكون المعنى لا يصلون بالعقوبة لجواز أن يراد لا يصلون إلى إلزامكما بالحجة مع أن التقدم غير معلوم ولو قدم في الحكاية لاسيما والواو لا تدل على ترتيب، والتفسير المذكور مأثور عن كثير من السلف منهم ابن عباس ومجاهد وهو الذي يقتضيه الظاهر، وزعم الإمام أنهما قد أمنا وقوع ما يقطعهما عن الأداء بالدليل العقلي إلا أنهما طلبا بما ذكر ما يزيد في ثبات قلوبهما بأن ينضاف الدليل النقلي إلى الدليل العقلي وذلك نظير ما وقع لإبراهيم عليه السلام من قوله: {رَبّ أَرِنِى كَيْفَ تُحْىِ الموتى} [البقرة: 260] ولا يخفى أن في دعوى علمهما بالدليل العقلي عدم وقوع ما يقطعهما عن الأداء جثا.
واستشكل أيضًا حصول الخوف لموسى عليه السلام بأنه يمنع عن حصول شرح الصدر له الدال على تحققه قوله تعالى بعد سؤاله إياه {قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا موسى موسى} [طه: 36].
وأجاب الإمام بأن شرح الصدر عبارة عن قوته على ضبط تلك الأوامر والنواهي وحفظ تلك الشرائع على وجه لا يتطرق إليها السهو والتحريف وذلك شيء آخر غير زوال الخوف.
وأنت تعلم أن كثيرًا من المفسرين ذهبوا إلى أن شرح الصدر هنا عبارة عن توسيعه وهو عبارة عن عدم الضجر والقلق القلبي مما يرد من المشاق في طريق التبليغ وتلقي ذلك بحميل الصبر وحسن الثبات.
وأجيب على هذا بأنه لا منافاة بين الخوف من شيء والصبر عليه وعدم الضجر منه إذا وقع ألا ترى كثيرًا من الكاملين يخافون من البلاء ويسألون الله تعالى الحفظ منه وإذا نزل بهم استقبلوه بصدر واسع وصبروا عليه ولم يضجروا منه.
وقيل: إنهما عليهما السلام لم يخافا من العقوبة إلا لقطعها الأداء المرجو به الهداية فخوفهما في الحقيقة ليس إلا من القطع وعدم إتمام التبليغ ولم يسأل موسى عليه السلام شرح الصدر لتحمل ذلك.
واستشكل بأن موسى عليه السلام كان قد سأل وأوتي تيسير أمره بتوفيق الأسباب ورفع الموانع فكيف يخاف قطع الأداء بالعقوبة.
وأجيب: بأن هذا تنصيص على طلب رفع المانع الخاص بعد طلب رفع المانع العام وطلب للتنصيص على رفعه لمزيد الاهتمام بذلك.
وقيل: إن في الآية تغليبًا منه لأخيه هارون على نفسه عليهما السلام ولم يتقدم ما يدل على أمنه عليه فتأمل، واستشكل أيضًا عدم الذهاب والتعلل بالخوف مع تكرر الأمر بأنه يدل على المعصية وهي غير جائزة على الأنبياء عليهم السلام على الصحيح.
وأجاب الإمام بأن الدلالة مسلمة لو دل الأمر على الفور وليس فليس، ثم قال: وهذا من أقوى الدلائل على أن الأمر لا يقتضي الفور إذا ضممت إليه ما يدل على أن المعصية غير جائزة على الأنبياء عليهم السلام، و{أَوْ} في قوله تعالى: {أَوْ أَن يطغى} لمنع الخلو، والمراد أو أن يزداد طغيانًا إلى أن يقول في شأنك ما لا ينبغي لكمال جراءته وقساوته وإطلاقه من حسن الأدب، وفيه استنزال لرحمته تعالى وإظهار كلمة أن مع سداد المعنى بدونه لإظهار كمال الاعتناء بالأمر وازشعار بتحقق الخوف من كل من المعاطفين.
{قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46)}.
{قَالَ} استئناف كما مر، ولعل إسناد الفعل إلى ضمير الغيبة كما قيل للإشعار بانتقال الكلام من مساق إلى مساق آخر فإن ما قبله من الأفعال الواردة على صيغة التكلم حكاية لموسى عليه السلام بخلاف ما سيأتي إن شاء الله تعالى: {قُلْنَا لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الاعلى} [طه: 68] فإن ما قبله أيضًا وارد بطريق الحكاية لرسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه قيل: فما ذا قال لهما ربهما عند تضرعهما إليه سبحانه؟ فقيل: قال أي لهما {لاَ تَخَافَا} مما ذكرتما.
وقوله تعالى: {إِنَّنِى مَعَكُمَا} تعليل لموجب النهي ومزيد تسلية لهما، والمراد بمعيته سبحانه كمال الحفظ والنصرة كما يقال: الله تعالى معك على سبيل الدعاء وأكد ذلك بقوله تعالى: {أَسْمَعُ وأرى} وهو بتقدير المفعول أي ما يجري بينكما وبينه من قول وفعل فافعل في كل حال ما يليق بها من دفع شر وجلب خير.
وقال القفال: يحتمل أن يكون هذا في مقابلة القول السابق ويكونان قد عنيا أننا نخاف أن يفرط علينا بأن لا يسمع منا أو أن يطغى بأن يقتلنا فأجابهم سبحانه بقوله: {إِنَّنِى مَعَكُمَا أَسْمَعُ} أي كلامكما فاسخره للاستماه {وأرى} أفعاله فلا أتركه يفعل بكما ما تكرهانه فقدر المفعول أيضًا لكنه كما ترى، وقال الزمخشري: جائز أن لا يقدر شيء، وكأنه قيل: أنا حافظ لكما وناصر سامع مبصر وإذا كان الحافظ والناصر كذلك تم الحفظ، وهو يدل على أنه لا نظر إلى المفعول وقد نزل الفعل المتعدي منزلة اللازم لأنه أريد تتميم ما يستقل به الحفظ والنصرة وليس من باب قول المتنبي:
شجو حساده وغيظ عداه ** أن يرى مبصر ويسمع واع

على ما زعم الطيبي، واستدل بالآية على أن السمع والبصر صفتان زائدتان على العلم بناءً على أن قوله تعالى: {إِنَّنِى مَعَكُمَا} دال على العلم ولو دل {أَسْمَعُ وأرى} عليه أيضًا لزم التكرار وهو خلاف الأصل.
{فَأْتِيَاهُ} أمر بإتيانه الذي هو عبارة عن الوصول إليه بعدما أمرا بالذهاب إليه فلا تكرار وهو عطف على {لاَ تَخَافَا} [طه: 46] باعتبار تعليله بما بعده {فَقُولا إِنَّا رَسُولاَ رَبّكَ} أمرا بذلك تحقيقًا للحق من أول الأمر ليعرف الطاغية شأنهما ويبني جوابه عليه، وفي التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره من اللطف ما لا يخفى وإن رأى اللعين أن في ذلك تحقيرًا له حيث أنه يدعى الربوبية لنفسه ولا يعد ذلك من الإغلاظ في القول، وكذا قوله تعالى: {فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِى إسرائيل} إلى آخره خلافًا للإمام، والفاء في {فَأَرْسِلْ} لترتيب ما بعدها على ما قبلها فإن كونهما عليهما السلام رسولي ربه تعالى مما يوجب إرسالهم معهما والمراد بالإرسال إطلاقهم من الأسر وإخراجهم من تحت يده العادية لا تكليفهم أن يذهبوا معهما إلى الشام كما ينبىء عنه قوله سبحانه: {وَلاَ تُعَذّبْهُمْ} أي بإبقائهم على ما كانوا عليه من العذاب فإنهم كانوا تحت ملكة القبط يستخدمونهم في الأعمال الشاقة كالحفر والبناء ونقل الأحجار وكانوا يقتلون أبناءهم عامًا دون عام ويستخدمون نساءهم ولعلهما إنما بدأا بطلب إرسال بني إسرائيل دون دعوة الطاغية وقومه إلى الإيمان للتدريج في الدعوة فإن إطلاق الأسرى دون تبديل الاعتقاد، وقيل: لأن تخليص المؤمنين من الكفرة أهم من دعوتهم إلى الإيمان، وهذا بعد تسليمه مبني على أن بني إسرائيل كانوا مؤمنين بموسى عليه السلام في الباطن أو كانوا مؤمنين بغيره من الأنبياء عليهم السلام ولابد لذلك من دليل، وقيل: إنما بدأا بطلب إرسالهم لما فيه من إزالة المانع عن دعوتهم واتباعهم وهي أهم من دعوة القبط.
وتعقب بأن السياق هنا لدعوة فرعون ودفع طغيانه فهي الأهم دون دعوة بني إسرائيل، وقيل: إنه أول ما طلبا منه الإيمان كما ينبىء عن ذلك آية النازعات إلا أنه لم يصرح به هنا اكتفاءً بما هناك كما أنه لم يصرح هناك بهذا الطلب اكتفاءً بما هنا، وقوله تعالى: {قَدْ جئناك بِئَايَةٍ مّن رَّبّكَ} استئناف بياني وفيه تقرير لما تضمنه الكلام السابق من دعوى الرسالة وتعليل لوجوب الإرسال فإن مجيئهما بآية من جهته تعالى مما يحقق رسالتهما ويقررها ويوجب الامتثال بأمرهما، وإظهار اسم الرب في موضع الإضمار مع الإضافة إلى ضمير المخاطب لتأكيد ما ذكر من التقرير والتعليل، وجىء بقد للتحقيق والتأكيد أيضًا، وتكلف لإفادتها التوقع وتوحيد الآية مع تعددها لأن المراد إثبات الدعوى ببرهانها لا بيان تعدد الحجة فكأنه قيل: قد جئناك بما يثبت مدعانا، وقيل: المراد بالآية اليد، وقيل: العصا والقولان كما ترى.
{والسلام على مَنِ اتبع الهدى} أي السلامة من العذاب في الدارين لمن اتبع ذلك بتصديق آيات الله تعالى الهادية إلى الحق، فالسلام مصدر بمعنى السلامة كالرضاع والرضاعة، وعلى بمعنى اللام كما ورد عكسه في قوله تعالى: {لَهُمُ اللعنة} [طه: 25] وحروف الجر كثيرًا ما تتقارض، وقد حسن ذلك هنا المشاكلة حيث جىء بعلى في قوله تعالى: {إِنَّا قَدْ أُوحِىَ إِلَيْنَا}.
من جهة ربنا {أَنَّ العذاب} الدنيوي والأخروي {على مَن كَذَّبَ} بآياته عز وجل: {وتولى} أي أعرض عن قبولها، وقال الزمخشري: أي وسلام الملائكة الذين هم خزنة الجنة على المهتدين وتوبيخ خزنة النار والعذاب على المكذبين.
وتحقيقه على ما قيل أنه جعل السلام تحية خزنة الجنة للمهتدين المتضمنة لوعدهم بالجنة.
وفيه تعريض لغيرهم بتوبيخ خزنة النار المتضمن لوعيدهم بعذابها لأن المقام للترغيب فيما هو حسن العاقبة وهو تصديق الرسل عليهم السلام والتنفير عن خلافه فلو جعل السلام بمعنى السلامة لم يفد أن ذلك في العاقبة.
فما قيل: إنه لا إشعار في اللفظ بهذا التخصيص غير مسلم، والقول بأنه ليس بتحية حيث لم يكن في ابتداء اللقاء يرده أنه لم يجعل تحية الأخوين عليهما السلام بل تحية الملائكة عليهم السلام، وأنت تعلم أن هذا التفسير خلاف الظاهر جدًا وإنكار ذلك مكابرة.
وفي البحر هو تفسير غريب وأنه إذا أريد من العذاب العذاب في الدارين، ومن السلام السلامة من ذلك العذاب حصل الترغيب في التصديق والتنفير عن خلافه على أتم وجه، وقال أبو حيان: الظاهر أن قوله تعالى: {والسلام} [طه: 47].. إلخ. فصل للكلام والسلام فيه بمعنى التحية، وجاء ذلك على ما هو العادة من التسليم عند الفراغ من القول إلا أنهما عليهما السلام رغبا بذلك عن فرعون وخصابه متبعي الهدى ترغيبًا له بالانتظام في سلكهم، واستدل به على منع السلام على الكفار وإذا احتيج إليه في خطاب أو كتاب جىء بهذه الصيغة.
وفي الصحيحين «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى هرقل من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى» وأخرج عبد الرزاق في المصنف والبيهقي في الشعب عن قتادة قال: التسليم على أهل الكتاب إذا دخلت عليهم بيوتهم أن تقول: السلام على من اتبع الهدى، ولا يخفى أن الاستظهار المذكور غير بعيد لو كان كلامهما عليهما السلام قد انقطع بهذا السلام لكنه لم ينقطع به بل قالا بعده {إِنَّا قَدْ أُوحِىَ إِلَيْنَا}.. إلخ، وكأن هذه الجملة على جميع التفاسير استئناف للتعليل، وقد يستدل به على صحة القول بالمفهوم فتأمل، والظاهر أن كلتا الجملتين من جملة المقول الملقن.
وزعم بعضهم أن المقول الملقن قد تم عند قوله تعالى: {قَدْ جئناك بِئَايَةٍ مّن رَّبّكَ} [طه: 47] وما بعد كلام من قبلهما عليهما السلام أتيا به للوعد والوعيد.
واستدل المرجئة بقوله سبحانه: {إِنَّا قَدْ أُوحِىَ}.. إلخ. على أن غير الكفرة لا يعذبون أصلًا.
وأجيب بأنه إنما يتم إذا كان تعريف العذاب للجنس أو الاستغراق، أما إذا كان للعهد أي العذاب الناشىء عن شدة الغضب أو الدائم مثلًا فلا، وكذا إذا أريد الجنس أو الاستغراق الادعائي مبالغة وجعل العذاب المتناهي الذي يعقبه السلامة الغير المتناهية كلا عذاب لم يلزم أن لا يعذب المؤمن المقصر في العمل أصلًا. اهـ.